کد مطلب:280398 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:246

فتن البحث عن هویة
مما لا شك فیه أن وجود الفرد فی بیئة معینة واتصاله المستمر بالعالم الخارجی یجعله یكتسب خبرات جدیدة تعدل من استعداداته ومیوله الفطریة، فالعالم الخارجی له أثرا بالغا علی تنظیم الانفعال الذی یمد الفرد بالطاقة العصبیة اللازمة. للتعبیر عن الغریزة حتی تتجمع حول شخص معین أو حول شئ معین، والمسیرة الإسرائیلیة لم تنقطع یوما عن العالم الخارجی. ولهذا اكتسبت مجموعة من الخصائص الانفعالیة الممیزة للفرد، أو بعبارة أخری مجموعة الصفات التی یتسم بها سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، وعلی امتداد المسیرة وفی كل مرة یحدث الاتصال بالعالم الخارجی. تتأثر مجموعة من الغرائز والانفعالات المختلفة. فإن كانت فی مجموعها تلتقی مع الأهواء أدت إلی عاطفة حب. وإن كانت فی مجموعها مؤلمة أدت إلی عاطفة كره.

والدین الإلهی لم یترك الإنسان للعالم الذی من حوله، وإنما قدم البناء اللازم الذی تتكامل به الشخصیة وتتآلف عناصرها بحیث تتجه اتجاها موحدا نحو غرض معین، ولكن المسیرة الإسرائیلیة إختلفت عناصر شخصیتها عندما ابتعدت عن خط الأنبیاء، مما أدی إلی حدوث الانقسامات المختلفة بین العناصر وتعارضت اتجاهاتها، فكان من نتیجة



[ صفحه 86]



ذلك ضعف الشخصیة أمام الزینة والزخرف فی العالم الخارجی، فراحت تأكل من ثماره وتجتر ذكریاتها علی سبیله، وأنتج زاد الثمار والذكریات العقد النفسیة التی هی فی مجملها استعداد وجدانی مكتسب دائم. یؤثر فی سلوك المرء وشعوره ویفرغ علیهما طابعا خاصا، ومما لا شك فیه أن العقدة النفسیة قد تنشأ من صدمة انفعالیة عنیفة، أو قد تنشأ من صراع نفسی غیر محسوم، أو قد تنشأ من تربیة غیر رشیدة، هذا كله له معالم علی امتداد المسیرة الإسرائیلیة التی أرغمتها العقد النفسیة فی نهایة المطاف علی الخوف. حتی ولو لم یكن هناك داعیا إلی الخوف، وهذا كله نتیجة حقیقیة. لمقدمة حقیقیة. غیروا فیها اتجاههم الفطری.

وأصبحوا عالة علی حركة وإنتاج الأمم من حولهم.

والباحث فی المسیرة الإسرائیلیة یجد أن المسیرة قد تأثرت بعقائد العالم الخارجی، ومن ثیاب هذه العقائد اتخذت المسیرة ثوبا واحدا أضافت إلیه معالم سماویة باهتة، تتفق مع أهوائهم وتنسجم مع العقد النفسیة التی أفرزتها الأحداث علی امتداد المسیرة، وفی نهایة المطاف رشحت ثقافات هذه العقائد علی المدنیة المعاصرة وهددت الإنسانیة بالانهدام. ومهدت الطریق إلی المسیح الدجال. وفی إفرازات المسیرة الإسرائیلیة یقول صاحب تفسیر المیزان: إذا تأملت قصص بنی إسرائیل المذكورة فی القرآن، وأمعنت فیها. وما فیها من أسرار أخلاقهم وجدت أنهم كانوا قوما غائرین فی المادة مكبین علی ما یعطیه الحس من لذائذ الحیاة الصوریة، فقد كانت هذه الأمة لا تؤمن بما وراء الحس ولا تنقاد إلا إلی اللذة والكمال المادی، وهم الیوم كذلك، وهذا الشأن هو الذی صبر عقولهم وإرادتهم تحت انقیاد الحس والمادة. لا یعقلون إلا ما یجوزانه، ولا یریدون إلا ما یرخصان لهم ذلك، فانقیاد الحس یوجب لهم أن لا یقبلوا قولا إلا إذا دل علیه الحس، وانقیاد المادة اقتضی فیهم أن یقبلوا كل ما یریده أو یستحسنه لهم كبرائهم من جمال



[ صفحه 87]



المادة وزخرف الحیاة، فأنتج ذلك فیهم التناقض قولا وفعلا، فهم یذمون كل اتباع باسم أنه تقلید وإن كان مما ینبغی إذا كان بعیدا من حسهم، ویمدحون كل اتباع باسم أنه حظ الحیاة وإن كان مما لا ینبغی إذا كان ملائما لهوساتهم المادیة، وقد ساعدهم علی ذلك وأعانهم علیه مكثهم الممتد وقطونهم الطویل بمصر تحت استذلال المصریین، واسترقاقهم وتعذیبهم، وبالجملة: فكانوا لذلك صعبة الانقیاد لما یأمرهم به أنبیائهم والربانیون من علمائهم مما فیه صلاح معاشهم ومعادهم، وسریعة اللحوق إلی ما یدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم، وقد ابتلیت الحقیقة والحق الیوم بمثل هذه البلیة بالمدنیة المادیة، فهی مبنیة القاعدة علی الحس والمادة. فلا یقبل دلیل فیما بعد عن الحس، ولا یسأل عن دلیل فیما تضمن لذة مادیة حسیة، فأوجب ذلك إبطال الغریزة الإنسانیة فی أحكامها، وارتحال المعارف العالیة والأخلاق الفاضلة من بیننا. فصار یهدد الإنسانیة بالانهدام، وجامعة البشر بأشد الفساد ولیعلمن نبأه بعد حین. [1] .

. فالمسیرة اكتسبت من العالم الوثنی الشئ الكثیر، وكان لهذا أثرا بالغا علی سلوك الفرد وانفعالاته ودوافعه، ودفعت المسیرة فی صراع نفسی غیر محسوم أدی إلی تناقض حركتها قولا وفعلا، وهذا الاهتزاز النفسی رشح فیما بعد علی الجامعة البشریة وهددها بالفساد، ولبیان المكتسبات الإسرائیلیة من الأمم الوثنیة الاستكباریة، نلقی بعض الضوء علی أهم المحطات التی تزودت منها المسیرة الإسرائیلیة.


[1] الميزان 296 / 8.